جريده الشرق الاوسط: قصة كفاح مهندسة عربية في عالم الرجال

جريده الشرق الاوسط قصة كفاح مهندسة عربية في عالم الرجال

في صباح يوم الخميس الموافق 11 نوفمبر 1999، كان لجريده الشرق الاوسط موعد مع قصة نجاح استثنائية. في مكتبها الأنيق بالقاهرة، استقبلتنا المهندسة نرمين بليغ، إحدى الشخصيات النسائية الرائدة في مجال الهندسة بالعالم العربي. هذا اللقاء الحصري يسلط الضوء على مسيرة امرأة عربية استطاعت أن تشق طريقها في مجال طالما اعتبر حكرًا على الرجال.

جريده الشرق الاوسط قصة كفاح مهندسة عربية في عالم الرجال
جريده الشرق الاوسط قصة كفاح مهندسة عربية في عالم الرجال

البدايات والطموح

بدأت نرمين حديثها بابتسامة هادئة تعكس ثقتها بنفسها: “منذ طفولتي، كنت أجد متعة في الرياضيات والعلوم. كان والدي مهندسًا، وكثيرًا ما كنت أراقبه وهو يعمل على مخططاته، مما أثار فضولي وشغفي بعالم الهندسة.”

وأضافت لجريده الشرق الاوسط: “عندما أعلنت رغبتي في دراسة الهندسة، قوبلت بالكثير من الاستغراب. في أواخر السبعينيات، كان من النادر أن تختار فتاة هذا المجال. لكن دعم عائلتي كان حاسمًا في مضيي قدمًا في هذا الطريق.”

التحديات في الجامعة

تطرقت نرمين إلى فترة دراستها الجامعية: “كنت واحدة من خمس فتيات فقط في دفعتي بكلية الهندسة. كانت هناك نظرات الشك والاستخفاف في بداية الأمر، لكننا أثبتنا جدارتنا بالعمل الجاد والتفوق الأكاديمي.”

وتابعت: “أذكر أن أحد الأساتذة قال لي ذات مرة: ‘لماذا تضيعين وقتك هنا؟ الهندسة ليست للنساء.’ بدلاً من أن يحبطني ذلك، زادني إصرارًا على النجاح والتميز.”

بداية المسيرة المهنية

بعد التخرج، واجهت نرمين تحديات جديدة: “كان من الصعب إيجاد وظيفة في البداية. كثير من الشركات كانت مترددة في توظيف مهندسة. لكنني لم أستسلم، وواصلت البحث حتى حصلت على فرصتي الأولى في شركة مقاولات صغيرة.”

وأضافت: “كان علي أن أثبت نفسي كل يوم. العمل في مواقع البناء كان تحديًا كبيرًا، خاصة مع نظرات الاستغراب من العمال ورؤساء العمل. لكنني تعلمت أن أكسب احترامهم من خلال معرفتي وكفاءتي.”

الانطلاقة الكبرى

تحدثت نرمين عن نقطة التحول في مسيرتها المهنية: “بعد خمس سنوات من العمل الشاق، قدمت مقترحًا مبتكرًا لتحسين كفاءة الطاقة في أحد المشاريع الكبرى. نجاح هذا المشروع فتح لي أبوابًا كثيرة، وبدأت أتلقى عروضًا من شركات كبرى.”

وأضافت بفخر: “في عام 1990، أصبحت أول امرأة تتولى منصب مدير المشاريع في إحدى أكبر شركات الهندسة في مصر. كان ذلك إنجازًا كبيرًا لي وللمرأة العربية في مجال الهندسة.”

التوازن بين العمل والحياة الشخصية

لم تغفل نرمين عن التحدث عن حياتها الشخصية: “الموازنة بين العمل والأسرة كانت وما زالت تحديًا كبيرًا. تزوجت في عام 1985، وكان زوجي داعمًا بشكل كبير لمسيرتي المهنية. عندما رزقنا بطفلنا الأول، كان علينا إعادة ترتيب أولوياتنا وجدولنا.”

وأضافت: “أؤمن أن النجاح في الحياة المهنية لا يجب أن يكون على حساب الأسرة. التخطيط الجيد والدعم العائلي أمران أساسيان لتحقيق هذا التوازن.”

إنجازات ومشاريع فخورة بها

عندما سألناها عن أبرز إنجازاتها، قالت نرمين بحماس: “هناك العديد من المشاريع التي أعتز بها، لكن أبرزها كان تصميم وتنفيذ نظام تبريد مبتكر لأحد الأبراج السكنية في دبي عام 1997. هذا النظام وفر حوالي 40% من استهلاك الطاقة مقارنة بالأنظمة التقليدية.”

وأضافت: “كما أنني فخورة بمشاركتي في مشروع توسعة مطار القاهرة الدولي. كنت مسؤولة عن تصميم أنظمة التهوية والتكييف، وهو تحدٍ كبير نظرًا لحجم المشروع وأهميته.”

رؤيتها لمستقبل المرأة في الهندسة

وأضافت لجريده الشرق الاوسط: “لكن ما زال أمامنا طريق طويل. نحتاج إلى المزيد من البرامج لتشجيع الفتيات على دخول مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. كما نحتاج إلى سياسات داعمة في مكان العمل لمساعدة المهندسات على التقدم في مسيرتهن المهنية.”

نصائح للجيل القادم

وجهت نرمين نصائح قيمة للشابات الطموحات: “أولاً، آمنّ بأنفسكن وبقدراتكن. ثانيًا، لا تخشين التحديات؛ فهي فرص للتعلم والنمو. ثالثًا، اسعين دائمًا للتعلم وتطوير مهاراتكن. رابعًا، ابنين شبكة علاقات مهنية قوية؛ فهي مهمة جدًا للتقدم في المجال.”

جريده الشرق الاوسط قصة كفاح مهندسة عربية في عالم الرجال
جريده الشرق الاوسط قصة كفاح مهندسة عربية في عالم الرجال

عبرت نرمين عن تفاؤلها بمستقبل المرأة في مجال الهندسة: “أرى تغيرًا إيجابيًا كبيرًا. اليوم، هناك المزيد من الفتيات اللاتي يدرسن الهندسة، والمزيد من الشركات التي تدرك قيمة التنوع في فرق العمل الهندسية.”

وأضافت: “وأخيرًا، تذكرن دائمًا أنكن لستن فقط مهندسات، بل أنتن قدوة للأجيال القادمة من الفتيات. نجاحكن سيفتح الباب لمزيد من الفرص للنساء في المستقبل.”

دور الإعلام والمجتمع

أشادت نرمين بدور جريده الشرق الاوسط في تسليط الضوء على قصص نجاح المرأة العربية: “الإعلام له دور حيوي في تغيير الصور النمطية وإبراز نماذج النجاح. أشكر جريده الشرق الاوسط على اهتمامها بهذه القصص الملهمة.”

وأضافت: “كما أن للمجتمع دورًا مهمًا. نحتاج إلى تغيير في الثقافة المجتمعية لتشجيع الفتيات على اختيار مسارات مهنية غير تقليدية. هذا التغيير يبدأ من الأسرة والمدرسة.”

مشاريع مستقبلية

ختمت نرمين حديثها بالإشارة إلى طموحاتها المستقبلية: “حاليًا، أعمل على تأسيس مؤسسة غير ربحية لدعم المهندسات الشابات. هدفنا هو توفير التدريب والتوجيه وفرص التواصل المهني لمساعدتهن على النجاح في هذا المجال.”

وأضافت: “كما أنني أتطلع للعمل على مشاريع تركز على الاستدامة والطاقة النظيفة. أعتقد أن هذه المجالات ستكون محورية في مستقبل الهندسة، وأريد أن أساهم في تطويرها في منطقتنا.”

خاتمة

في نهاية هذا اللقاء الحصري مع جريده الشرق الاوسط، تترك المهندسة نرمين بليغ انطباعًا قويًا كامرأة استثنائية استطاعت أن تحقق النجاح في مجال صعب، وأن تفتح الباب أمام أجيال جديدة من النساء في عالم الهندسة. قصتها ليست مجرد قصة نجاح فردي، بل هي مصدر إلهام وتحفيز لكل فتاة عربية تحلم بترك بصمتها في عالم العلوم والتكنولوجيا.

إن هذا اللقاء، الذي نشرته جريده الشرق الاوسط: قصة كفاح مهندسة عربية في عالم الرجال، يسلط الضوء على أهمية دعم المرأة في المجالات العلمية والتقنية، ويؤكد على الدور الحيوي للإعلام في تغيير الصور النمطية وإبراز النماذج الناجحة. كما يشكل دعوة للمجتمع بأكمله للاستثمار في قدرات المرأة وفتح المجال أمامها للمساهمة بفعالية في تنمية وتطوير العالم العربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!